مهاتير محمد...عاقل في زمن الجنون



مهاتير محمد
قام عدد من المؤلفين والكتاب بتناول حياة الزعيم الماليزي مهاتير محمد والتجربة الماليزية سواء في مقالتهم أو كتبهم نذكر منهم الكاتب والصحفي الفلسطيني الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد والذي قام بتأليف كتاب عنوانه " مهاتير محمد .. عاقل في زمن الجنون " حيث يستعرض فيه التجربة الماليزية والظروف التي عاشتها وكيفية تغلبها على الأزمات التي واجهتها، كما ركز في الكتاب على شخصية مهاتير محمد وفلسفته ورؤيته الاقتصادية والسياسية والإسلامية خلال فترة رئاسته للوزراء.

ومن جانبه قال مؤلف الكتاب انه تم الاتفاق مع دور نشر أجنبية لترجمة الكتاب الى اللغات الأربعة ونشره في تلك الدول خلال العام الحالي 2005 مشيرا الى القيام بدراسة متأنية لنشر الكتاب بتلك اللغات تتمثل في التأكد من رغبة قراء تلك الدول في معرفة المزيد من شخصية صاحب التجربة والسيرة رئيس الوزراء الماليزي السابق حيث تم الاستعانة بدور نشر مرموقة في تلك الدول.


الكتاب
يقع الكتاب في 480 صفحة من القطع المتوسط، وأصدرته "ميديا هب" للنشر ومقرها دبي، فيما يبدى الكاتب د. عبد الرحيم عبد الواحد، اعجابا شديدا بمهاتير منذ الحروف الأولى لكتابه حيث يقول في الأسطر الأولى من المقدمة مدللاً على ذلك بالعديد من الوقائع والمواقف السياسية والنظريات الاقتصادية والاجتماعية والرؤى الدينية المتميزة بما تتناسب مع ماليزيا الإسلامية الآسيوية،ويقول:

"بهامته الشامخة كما هي ماليزيا، وبساطته وتواضعه، يسطر الدكتور مهاتير أروع الأمثلة الإنسانية التي جاءت وليدة قناعاته ونظرياته وفلسفته الحياتية، حيث قاد بلاده إلى النهضة والتطور ومن ثم إلى بر الأمان بعد مشوار طويل من التضحيات، فيما سطرت أفكاره ومواقفه سجلاً حافلاً من النظريات التي يستحق عليها التكريم بأنبل الشهادات تقديراً لوفائه لوطنه وشعبه وأمته الإسلامية، كما دوّن برؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة، سياسة ماليزيا وحدد أهدافها التي حققت الرخاء والتنمية بعد أزمات ومؤامرات كادت تعصف بإنجازات الشعب الماليزي، كما تحولت في عهده الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع بعد أن حمل الأمانة التاريخية، مستعيناً بالمصداقية التي تحكم مشاعره وتحدد سلوكه. إنه مفخرة كل من يعرف دقائق شخصيته وحياته اليومية. كما انه يُسمي الأشياء بأسمائها، ويضع الأمور في نصابها الصحيح ويعطي القضايا ما تستحقه، فهو قائد ذو ثقافة عالية يعطي دروساً في التاريخ والدين والإنسانية والأخلاق.
لم يقل شيئاً يجافي المنطق أو بعيداً عن الواقع، رجل حضارة وفكر وسلام، استطاع جذب انتباه جميع الوطنيين والمحبين للسلام والعقلانيين الباحثين عن مصالح الأمة الإسلامية وسط ركام التخاذل والخنوع والأفواه المغلقة والأيادي المقيدة، ومدافع عنيد وقوي عن الحقوق العربية والإسلامية".

إن الغوص بين سطور الكتاب وعناوينه وأبوابه وفصوله يوضح للقارئ الأهمية القصوى لموضوعاته من حيث إنها تمثل دراسة فكرية وواقعية لفلسفة " مهاتير محمد " على كافة الصعد المحلية الماليزية والإقليمية والعربية والإسلامية والدولية، وفي الوقت ذاته شموليتها بحيث تغطي كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والدينية... الخ.

وينقسم الكتاب الى 10 أبواب و42 فصلا، تناولت كافة مفردات التجربة الماليزية الغنية بتجارب مثالية نادرة الحدوث في عالم اليوم، بما يمكن معه القول بأنها تجربة فريدة تستحق الدراسة والبحث والاقتداء بها من خلال الاستفادة منها بما يتناسب مع إمكاناتنا الاقتصادية وقدراتنا الفنية الشخصية المتواضعة قياسا بما تمتلكه ماليزيا بعد نجاح تجربتها الرائدة.

ويبدو أن للكاتب خبرة واسعة ومعمقة في شؤون الحياة الماليزية السياسية والاقتصادية والسياحية، حيث نراه يدلي بدلوه في كافة الموضوعات التى تطرق لها في هذا الشأن، وخاصة مقابلاته المتكررة مع مهاتير نفسه ومستشاريه.

ومن جانبه قال المؤلف د. عبد الواحد:" الكتابة حول مهاتير تعتبر تحديا كبيرا لاعتبارات عديدة أبرزها التناقضات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها ماليزيا في الوقت الذي أثبت فيه مهاتير قدرته الفائقة على اجتياز الصعاب والاختبارات القاسية، فهو رجل دولة ذو تجربة غنية، حيث يمكن اعتبار التجربة الخاصة بماليزيا حقبة مفصلية في تاريخ العالم الإسلامي تستحق الدراسة للاستفادة منها، وخاصة أن مهاتير أثرى هذه التجربة بأفكاره المتميزة اقتصاديا وإسلاميا".

وأضاف د. عبد الواحد:" يعتبر الكتاب رؤية واقعية للتطورات والتجارب والظروف التي عاشتها ماليزيا وكيفية الخروج من الأزمات ومواجهتها والتغلب عليها، إضافة إلى استعراض للدور الماليزي في دعم وتعزيز الأنشطة الاقتصادية والتجارية بين الجانبين والتواصل المستمر مع دول العالم الإسلامي والدول العربية حيث يركز على فلسفة مهاتير وتجربته ورؤيته السياسية والاقتصادية والإسلامية طوال 22 عاما من توليه منصب رئاسة الوزراء التي تركتها في أكتوبر 2003".

وردا على سؤال يتعلق بأهم محتويات الكتاب قال المؤلف:"يكشف الكتاب ملامح التجربة المهاتيرية على كافة الصعد، ويرسم صورة ناصعة لهذه التجربة باعتبارها منهاجا ونبراسا يمكن الاستفادة منها بما يتناسب مع الظروف والاوضاع الخاصة التي تعيشها الدول المختلفة. كما يبين مواقف مهاتير من اليهود والسامية وسيناريوهات الجماعات الصهيونية للنيل من تأثيره وقوته داخل وخارج بلاده، كما يبين أسباب ووسائل الزعيم الماليزي في النهوض ببلاده منذ عام 1981 وحتى استقالته عام 2003 من خلال التعرض للعديد من المحاور الهامة منها الخصخصة والتنمية، رؤيته لماليزيا عام 2020 وكيفية التغلب على الأزمة المالية التي ضربت جنوب شرق آسيا عام 1979. وفي باب آخر يستعرض الكتاب القيم الإسلامية وأسباب تفعيلها ومدى جدية ما يسمى بالحرب على الإرهاب وموقف الإسلام من ذلك، كما يتضمن الكتاب النظريات الاقتصادية التي أرساها لتعزيز اقتصاديات ماليزيا.

ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل تحتوي صفحات الكتاب على رؤى مهاتير من القضايا السياسية الهامة مثل فلسطين والعرق وافغانستان وكذلك ملامح التعاون الاقتصادي بين بلاده وأهم الدول العربية وكيفية تعزيزها".

الأسباب التي دفعت المؤلف للكتابة عن مهاتير
وحول الأسباب التي دفعته للكتابة عن مهاتير قال الدكتور عبد الواحد":من ضمن الأسباب العديدة التي دفعتني لبحث ودراسة مواقف هذا الزعيم، عرض التجربة الماليزية أمام القارئ والمسؤول العربي وإبراز أهم الوسائل التي استطاع من خلالها مهاتير تحويل بلاده من دولة تعتمد على الزراعة والصيد إلى احتلال المرتبة 18 عالميا في مجال التصنيع. إضافة إلى ذلك بيان الوسائل والمواقف التي تبناها مهاتير في مواجهة الأزمات المالية التي كادت تعصف بدول جنوب شرق آسيا عام 1997 حيث استطاع الخروج منها بأقل الأضرار مقارنة بالدول الآسيوية الأخرى، وأيضا هناك مواقفه واقتراحاته بشأن الوحدة الإسلامية سياسيا واقتصاديا علاوة على توجهاته الثابتة حول قضايا الشرق الأوسط خاصة فلسطين والعراق وغيرهما من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الدول الإسلامية".

ويذكر أن الدكتور مهاتير يتمتع حسب أغلب الرؤى المحايدة بكاريزما قيادية وسحر شخصي مما جعله شخصية جماهيرية ذات ثقل فكري مرموق ليس في ماليزيا وحدها وإنما على مستوى جنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي.

وقد بدأ المؤلف كتابه من حيث أنهى مهاتير حياته السياسية بلكمته المثيرة للجدل حول اليهود والسامية خلال خطاب استقالته على هامش انعقاد الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي في العاصمة الماليزية كوالالمبور في 18 أكتوبر 2003، حيث خصص الباب الأول عن "الاستقالة واليهود... مشهد الحقيقة" أشار فيه إلى المزاعم والافتراءات التي تعرض لها مهاتير وغيره من الساسة وكبار الشخصيات للاضطهاد اليهودي بسبب كشفهم لحقائق الواقع.
واستشهد الكاتب الذي كان حاضرا وقائع جلسات مؤتمر القمة الاسلامي قائلاً:"طغت عبارات الراحة والود الممزوجة بالثقة، على كلمات مهاتير الأخيرة قبل ساعات من ترك السلطة، بل اعترافه بالحزن لتلك اللحظات مستذكراً السنوات الطوال التي قضاها في الحكم، وأبدى شكره وامتنانه للشعب الماليزي الذي شاطره أفراحه وأحزانه ووقف معه في اللحظات الدقيقة التي مرت بها بلاده طوال فترة حكمه. وفي الوقت نفسه حفرت استقالة مهاتير في ذاكرة الشعوب الماليزية والعربية والإسلامية والعالمية، مبادئ ومواقف مشرفة ستظل لعقود مقبلة نبراسا وأسلوبا متميزا في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد والطب.

استقالة فريدة
فبعد 22 عاماً من السلطة، جاء الاستخلاف السياسي في ماليزيا بطريقة فريدة مثالية قلما تجدها في عالمنا الثالث، حيث تنازل مهاتير عن منصبة وهو في أوج قوته ومكانته السياسية والاقتصادية حيث ينال احترام كافة الأحرار والمقهورين في العالم على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم وعقيدتهم.

كما تركت الإستقالة بصمات وعبارات الإعجاب والفخر والإعتزاز بشخصيته ونقطة مشرقة في التاريخ العربي والإسلام وشمعة مضيئة في مسيرة ماليزيا كمنوذج للدولة المسلمة.

مهاتير و اليهود
إلا أن اختفاء مهاتير عن الساحة السياسية قابله سلبية واضحة من قبل الدول الغربية والإدارة الأمريكية واستراليا التي أبدت انزعاجاً كبيراً من كلمة مهاتير خلال القمة الإسلامية العاشرة في كوالالمبور. وفجر مهاتير في كلمته قنبلة سياسية لم يجرؤ أي زعيم عربي أو إسلامي على مجرد التفكير بها، ألا وهي وضع أصابعه على مكامن الخلل والإعلان عن أن اليهود يسيطرون على العالم فيما كان ملايين المشاهدين يتابعون فعاليات القمة الإسلامية، مما أدى إلى ردود فعل ترواحت بين التأييد وهم الغالبية والرفض وهم الأقلية القليلة حيث كان الدافع ورائها أحد أمرين: الأول إما الخوف على مصلحة ما يتحكم فيها الصهاينة واليهود فيما يتمثل الثاني في السعي لمصلحة قادمة يكون اليهود هم مصدرها.

وهنا نلحظ موقف مهاتير الذي أصر على التمسك بها، متعهداً بعدم الاعتذار لأسباب يراها منطقية، وذلك بالرغم من التهديدات الأمريكية والأوروبية والصهيونية، وقال سيد حامد البار وزير الخارجية الماليزى خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده في بوترا جايا بتاريخ 21 أكتوبر 2003 :" ماليزيا لم ولن تعتذر على ذلك البيان، أليس لنا الحق فى أن نبدى رأينا تجاه الآخرين ونتركهم ينتقدوننا وينتقدون الدول العربية والإسلامية حسب أهوائهم ؟ لا لم ولن نعتذر على الإطلاق، قد أخطأت وكالة "أسوشياتيد بريس" تفسير تصريح مهاتير".

ويؤكد الكاتب على مواقف مهاتير بالنسبة لليهود بالقول بان رئيس الوزراء المستقيل لم يرتكب أي جريمة لمجرد التعبير عن حقيقة واقعة، حيث لم يكن حديثه في هذا الموضوع قائما علي تحليل ديني أو نظره دينية متعصبة‏،‏ بقدر ما كان رؤية لواقع سياسي واجتماعي يلمسه القاصي والداني في العالم بأسره، بل أورد حقائق يعلمها جميع فئات الشعوب العربية والاسلامية بما في ذلك قادة وزعماء تلك الشعوب ومن ذلك أن اليهود يسيطرون على اقتصاد الولايات المتحدة والعديد من الدول الاوروبية، إضافة إلى نشر الفساد والافساد المالي والاخلاقي في المجتمعات العربية والاسلامية والتجارب في ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما تمارسه في الاراضي الفلسطينة المحتلة.

ولم يقل مهاتير سوى جزء من الحقيقة القائلة بأن اليهود يديرون العالم بالوكالة، حيث يؤكد بأن: ليهود يسيطرون على العالم من خلال العملاء و يستخدمون الآخرين للحرب والتضحية بالأرواح نيابة عنهم". واختتم الكاتب الباب الأول بالقول ان وصف مهاتير لليهود خلال القمة الإسلامية، ليس سوى تعبير صريح وجريء في زمن السكوت والبعد عن الواقعية التي لم يكن لمهاتير سوى الشرف في طرحها أمام الشعوب كأمانة يتوجب عليه ابلاغها لمن يهمه الأمر وبهذا فقد أبرأ ذمته امام الله عز وجل والشعوب الاسلامية التي ما شعرت بالارتياح لتصريحاته حيث انه عبر عما يجول في عقولهم وافكارهم. وحملت تلك الكلمات معان كبيرة فحواها أن على القادة المسلمين القيام بتشخيص الواقع‏،‏ الذي يواجههم بجراه وشجاعه‏‏ دون وجل أو خوف أو تردد لن يجدي نفعاً مهما كانت إغراءات السلطة والجاه والسلطان.
0 Responses

إرسال تعليق

My Photo Album